السبت، 30 نوفمبر 2019

ماذا تعني نتيجة الفحوصات الجينية؟

هذه مجموعة من التوضيحات حول تحليلات الـ DNA والمجموعات البشرية Haplogroups التي تصنف أصول الناس بناء على تحليل جيناتهم.


موضوع علم الأنساب والأصول الجيني (Genetic Genealogy) ليس محل اهتمام أكثر الناس، ولكنه مشتعل جداً في خبايا تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي، فما عليك إلا أن تكتب في البحث: اسم أي قبيلة متبوعاً بكلمة (تحور) أو (DNA) لترى كثرة النقاشات وحدّتها.
شركات التحليل الجيني تقوم بعدة فحوص جينية: - تحليل الكروموسوم الذكري Y-DNA من جهة الآباء. - تحليل الـ mtDNA من جهة الأمهات. - تحليل الخليط الجيني الموروث من جميع الأجداد والجدات (الخريطة الجينية).


تعتمد دراسة الـ Y-DNA أو mtDNA على تحليل تتابعات جينية مختارة SNPs، ومن خلال التشابه والاختلاف في الطفرات يمكن تقسيم الناس لمجموعات أو عوائل جينية رئيسية ترجع لأب أو أم واحدة (عمر كل منها تقريباً ٤٠ ألف سنة) وتفرعات كثيرة منها.
مثلاً: مجموعة G الرئيسية ترجع لجد مشترك عاش قبل حوالي ٥٠ ألف سنة. أما G2a فعاش جدها المشترك قبل ٢٠ ألف سنة تقريباً. و G2a2b2a مجموعة فرعية منها عاش جدها المشترك قبل حوالي ١٤ ألف سنة، وهكذا.


مصدر هذه المجموعات (Haplogroups) في الـDNA ليس إلا نسبة قليلة من القواعد الجينية للإنسان ولا تتحكم بصفاته وشكله. (الـY يمثل ٢٪ من مجموع جيناتك). فمن الطبيعي أن تجد أشقراً من مجموعة E أفريقية الأصل، أو أسمراً من R السائدة في أوروبا.
بينما تحدد لك هذه التحليلات مجموعة جينية عمرها ١٤ ألف سنة مثلاً، لم تتشكل المجموعات والقوميات البشرية التي نعرفها (عرب، فرس، أكراد ...إلخ) إلا في الـ١٠٠٠-٢٠٠٠ سنة الأخيرة، وبين هاتين الفترتين الزمنيتين حدث ما لا يحصى من الهجرات والغزوات وغيرها من عوامل الخلط للمجموعات الجينية.
بمعنى آخر: عندما كانت تتشكل أي مجموعة عرقية/جغرافية/ثقافية (ولنقل الأكراد مثلاً)، كانت تعيش في تلك البقعة الجغرافية خلطة جينية من مختلف الـ Haplogroups مثل J, E, R وغيرها.


أصعب سؤال هو: ما هو أصلك ولأي منطقة جغرافية ترجع أصولك؟ فما هو تعريف الأصل أصلاً؟ قبل ٢٠٠-٥٠٠ سنة؟ قبل ٢٠٠٠؟ قبل ١٠ آلاف سنة؟ لكل منها جواب مختلف وغير حاسم. لو ذهبت أبعد زمنياً فالجواب الذي ينطبق على الجميع ولا شك فيه هو: أفريقيا. هذا هو الأصل الوحيد المتفق عليه علمياً!


بالنسبة للعرب: فلا يمكن الادعاء أن كل العرب الأصليين أبناء رجلين اثنين، فاللغة والثقافة العربية لم تنشأ في يوم وليلة بل تكونت عبر ألفيات زمنية بلا أدنى شك. وأثناء تشكلها كان يستوطن أراضيهم أبناء سلالات جينية مختلفة، مثل J وT وE وغيرها.
لو أن مجموعة جينية معينة يعود أصلها إلى أفريقيا أو وسط آسيا مثلاً، فإننا ربما نتحدث عن ٢٥ ألف سابقة، ولا يمنع أن بعض أفرادها استقروا في بلاد العرب قبل تكوّن الثقافة العربية.. فكيف يمكن ادعاء عدم عروبة أحفادهم فقط لانتمائهم لتلك المجموعة الجينية، رغم توطنهم أرض العرب لآلاف السنين؟
إن جاز للبعض نزع عروبة الآخر لانتمائه لمجموعة جينية أخرى، فهل يعترف بعروبة من عاش أجداده لآلاف السنوات في أوروبا مثلاً ولا يحمل أي ثقافة عربية، فقط لانتمائه للمجموعة الجينية الغالبة عدداً عند العرب (J1 مثلاً)؟
البشر لم ينبتوا في مناطق محددة بل انتقلوا وخالطوا وتشعبوا، ابتعدوا واقتربوا. لو أردنا رسم مسار جغرافي زمني لأي سلالة عبر الأجيال المتعاقبة، فستكون الرسمة عبارة عن "شخابيط" وتداخلات وتفرعات، وليست مجرد خط من اتجاه لآخر. [خطوط الهجرات التي نراها في الصور مبسطة جداً وليست حقيقية]


الجمعة، 3 مايو 2019

سحر الأورورا



لم أكن أعلم عن الشفق القطبي (أو الأضواء الشمالية أو الأورورا) إلا أنها أضواء باهتة تميل إلى اللون الأخضر أو البنفسجي ويمكن رؤيتها من بعض المناطق الشمالية من الكرة الأرضية إذا حدثت عاصفة شمسية في الوقت المناسب والظروف الجوية المناسبة.
في الواقع لم يكن متبقياً على مهمة العمل الخارجية في مدينة رد دير (الغزال الأحمر) في مقاطعة ألبرتا في كندا سوى بضعة شهور عندما انتبهت والتفتُّ إلى الفرصة التي تكاد تضيع علي مع انتهاء فصل الشتاء الذي يمتاز بالليالي الطويلة التي تزداد معها فرصة مشاهدة الشفق القطبي.
ابتدأت مهمة عملي في كندا في يوليو ٢٠١٠ وانتهت في يوليو ٢٠١١، لم يكن موقع العمل هذا جذاباً لي للانتقال، خاصة عندما يُقارن بأماكن أخرى كأمريكا، مركز السياحة والترفيه.. والجو الدافئ المعتدل!

أما ألبرتا فأول ما قيل لي عنها هو شتاؤها البارد الذي تصل درجة حرارته (حرارته؟!) إلى -٣٦ درجة مئوية.



لم أكن أعلم أن الشفق القطبي قد يكون نتيجة جانبية لبرودة الشتاء والموقع الجغرافي لألبرتا.. ولكني على الأقل أدركت هذا هناك قبل ضياع الأمل، سجّلت في موقع يرسل تنبيهات في حال كانت الفرصة أو الاحتمالية متاحة.


لم يكن شتاء ٢٠١٠-٢٠١١ نشطاً من ناحية الانبعاثات الشمسية، ولم أكن محظوظاً في الحالات القليلة لتنبيهات الأورورا، فكانت ليال غائمة، أو لم تكن الانبعاثات قوية لتُرى، أو كانت التنبيهات متأخرة جداً ليلاً فلم أقرأ الرسالة إلا بعد فوات الأوان..


حتى جاءت ليلة ٢ مايو ٢٠١١. وصلني الإشعار وكنت مستيقظاً في منتصف الليل، خرجت إلى شرفة المنزل، بالكاد كنت أرى أي شيء، سوى ضوءاً باهتاً جهة الشمال، فقررت أن أقود سيارتي إلى خارج الحدود الشرقية لمدينتنا الصغيرة، بين المزارع الضخمة المظلمة.. لحظات من العجلة والترقب، متى أوقف السيارة جانباً وأطفئ أنوارها.. حتى جاءت تلك اللحظة:
كان أكثر المناظر سحراً في حياتي.
أنا لوحدي في شارع بين المزارع في ظلمة منتصف الليل، أنظر شمالاً لأرى تلك الأضواء البيضاء الخافتة المائلة إلى الخضرة.
قررت العودة للمنزل بعد حوالي ربع ساعة بسبب وحشة المكان، وبسبب توقف بعض السيارات المارة مستفهمين ومتسائلين إن كنت في حاجة لمساعدة طارئة، كنت أخبرهم أني توقفت فقط لمشاهدة هذا، وأشير إلى السماء، كانت ردة فعلهم: (أها، أوكي). رؤية الشفق القطبي بالنسبة لهم كرؤيتنا للإبل في الصحراء على جانب الخط السريع.
عندما عدت لشرفة المنزل كانت الأضواء في قمة تلألؤها، لم يكن ذلك الشفق مضيئ بالدرجة ترونها في الصور الجذابة، ولكن ما كاد يذهب عقلي ويخطف بصري هو الحركة السريعة المرعبة لامتداد الأضواء فوق رأسي.. كانت تتحرك فعلاً حركة سريعة. كنت أظن حركة الأضواء الشمالية هي مجرد تسريع للصور بمؤثرات تقنية إضافية، لكنها كانت حقيقية ومرعبة وساحرة.
لا يمكنك أن ترى الأضواء الشمالية هذه - حتى في عصر العلم والعقلانية - إلا وترى الأرواح تطير معها، وهكذا فعلاً اعتقد سكان القارة الأصليين!

هكذا كانت الصورة بكاميراتي المتواضعة!

وهكذا كانت صورة مصور محترف، وهو صديق لأحد زملاء العمل هناك، ولحسن حظي التقط صور نفس الأورورا الذي شاهدت:
وهكذا وصف الأورورا في مدونته: