الجمعة، 3 مايو 2019

سحر الأورورا



لم أكن أعلم عن الشفق القطبي (أو الأضواء الشمالية أو الأورورا) إلا أنها أضواء باهتة تميل إلى اللون الأخضر أو البنفسجي ويمكن رؤيتها من بعض المناطق الشمالية من الكرة الأرضية إذا حدثت عاصفة شمسية في الوقت المناسب والظروف الجوية المناسبة.
في الواقع لم يكن متبقياً على مهمة العمل الخارجية في مدينة رد دير (الغزال الأحمر) في مقاطعة ألبرتا في كندا سوى بضعة شهور عندما انتبهت والتفتُّ إلى الفرصة التي تكاد تضيع علي مع انتهاء فصل الشتاء الذي يمتاز بالليالي الطويلة التي تزداد معها فرصة مشاهدة الشفق القطبي.
ابتدأت مهمة عملي في كندا في يوليو ٢٠١٠ وانتهت في يوليو ٢٠١١، لم يكن موقع العمل هذا جذاباً لي للانتقال، خاصة عندما يُقارن بأماكن أخرى كأمريكا، مركز السياحة والترفيه.. والجو الدافئ المعتدل!

أما ألبرتا فأول ما قيل لي عنها هو شتاؤها البارد الذي تصل درجة حرارته (حرارته؟!) إلى -٣٦ درجة مئوية.



لم أكن أعلم أن الشفق القطبي قد يكون نتيجة جانبية لبرودة الشتاء والموقع الجغرافي لألبرتا.. ولكني على الأقل أدركت هذا هناك قبل ضياع الأمل، سجّلت في موقع يرسل تنبيهات في حال كانت الفرصة أو الاحتمالية متاحة.


لم يكن شتاء ٢٠١٠-٢٠١١ نشطاً من ناحية الانبعاثات الشمسية، ولم أكن محظوظاً في الحالات القليلة لتنبيهات الأورورا، فكانت ليال غائمة، أو لم تكن الانبعاثات قوية لتُرى، أو كانت التنبيهات متأخرة جداً ليلاً فلم أقرأ الرسالة إلا بعد فوات الأوان..


حتى جاءت ليلة ٢ مايو ٢٠١١. وصلني الإشعار وكنت مستيقظاً في منتصف الليل، خرجت إلى شرفة المنزل، بالكاد كنت أرى أي شيء، سوى ضوءاً باهتاً جهة الشمال، فقررت أن أقود سيارتي إلى خارج الحدود الشرقية لمدينتنا الصغيرة، بين المزارع الضخمة المظلمة.. لحظات من العجلة والترقب، متى أوقف السيارة جانباً وأطفئ أنوارها.. حتى جاءت تلك اللحظة:
كان أكثر المناظر سحراً في حياتي.
أنا لوحدي في شارع بين المزارع في ظلمة منتصف الليل، أنظر شمالاً لأرى تلك الأضواء البيضاء الخافتة المائلة إلى الخضرة.
قررت العودة للمنزل بعد حوالي ربع ساعة بسبب وحشة المكان، وبسبب توقف بعض السيارات المارة مستفهمين ومتسائلين إن كنت في حاجة لمساعدة طارئة، كنت أخبرهم أني توقفت فقط لمشاهدة هذا، وأشير إلى السماء، كانت ردة فعلهم: (أها، أوكي). رؤية الشفق القطبي بالنسبة لهم كرؤيتنا للإبل في الصحراء على جانب الخط السريع.
عندما عدت لشرفة المنزل كانت الأضواء في قمة تلألؤها، لم يكن ذلك الشفق مضيئ بالدرجة ترونها في الصور الجذابة، ولكن ما كاد يذهب عقلي ويخطف بصري هو الحركة السريعة المرعبة لامتداد الأضواء فوق رأسي.. كانت تتحرك فعلاً حركة سريعة. كنت أظن حركة الأضواء الشمالية هي مجرد تسريع للصور بمؤثرات تقنية إضافية، لكنها كانت حقيقية ومرعبة وساحرة.
لا يمكنك أن ترى الأضواء الشمالية هذه - حتى في عصر العلم والعقلانية - إلا وترى الأرواح تطير معها، وهكذا فعلاً اعتقد سكان القارة الأصليين!

هكذا كانت الصورة بكاميراتي المتواضعة!

وهكذا كانت صورة مصور محترف، وهو صديق لأحد زملاء العمل هناك، ولحسن حظي التقط صور نفس الأورورا الذي شاهدت:
وهكذا وصف الأورورا في مدونته: