الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

The Century of the Self


هو فيلم وثائقي من تأليف وإخراج آدم كورتس وإنتاج قناة البي بي سي، وكل ما جاء فيه موثق بمقابلات شخصية مع المعنيين أنفسهم أو أقربائهم. يتحدث عن تأثير علم النفس في التجارة والتسويق والتلاعب في عقول الناس وقناعاتهم، باستخدام نظريات سيغموند فرويد المشهور، مؤسس التحليل النفسي وابن أخته إدوارد بيرنيز.

 
بيرنيز هو مؤسس مهنة العلاقات العامة في العشرينيات، تمت الاستعانة به من قبل حكومة أمريكا والمخابرات والشركات التجارية للتحكم بعقول الشعب الأمريكي لمصالح سياسية واقتصادية. اعتقد عالم النفس بيرنيز أنه مثلما أمكن للـ "بروباغاندا" ترويج الحروب، بالإمكان استخدام الفن نفسه في السلم وتسميته بـ "العلاقات العامة".


يُنسب لبيرنيز الفضل بتغيير ثقافة الأمريكيين في الشراء من الشراء "للحاجة" للسلعة إلى الشراء "للرغبة" بالتميز والشعور الإيجابي الوهمي.. وهي الثقافة التي تسود كل العالم الآن، فبعد أن كان الناس يستخدمون المتشابه من الثياب والسيارات ولا يشترون الجديد إلا بعد نفاد ما لديهم، أصبحت ثقافة الرغبة هي السائدة، وولدت حاجة جديدة "زائفة" هي التميز عن الغير بالبضائع.
 

بيرنيز أقنع المؤسسات الأمريكية أن بإمكانهم بيع البضائع بربطها بأحاسيس الناس الباطنية (اللاوعي)، فقام مثلاً بكسر حاجز النساء من التدخين بربطه بحرية المرأة واستقلاليتها عن طريق إعلان تجاري بعد أن كان التدخين مربوطاً دائماً بالرجولة. ولتسويق خلطة الكعك جاهزة المكونات، اعتقد عالم النفس أن ما يمنع النساء من شرائها هو الشعور بالذنب والتقصير، ولكسر هذا الحاجز قام بإضافة خطوة واحدة تقوم بها ربة البيت وهي إضافة "بيضة" للمكونات الجاهزة! كان الحل في بيضة واحدة لينزاح حاجز الشعور بالذنب! ونجح بالفعل في زيادة مبيعاتها.

كانت الخمسينيات هي بداية الفترة الذهبية للمحللين النفسيين الذين استخدمهم التجار لتحليل نفسيات الأفراد وكيفية توجيههم نحو سلعهم.


‏أما سياسياً فقد شعرت أمريكا بالقلق من سيطرة الفكر النازي على الألمان بشكل خارق بعد الحرب العالمية الأولى، وخافت أن يترك شعبها الإيمان بالديمقراطية والرأسمالية يوماً ما، فاستخدمت علماء النفس لتوجيه الشعب وعدم فقدان زمام الأمور، والتحكم بـ "القوى اللامنطقية" في نفس الإنسان، كما في نظرية فرويد وبيرنيز.

بيرنيز كان يعتقد أن أفكار الناس ورغباتهم ومخاوفهم الباطنية ليست أهلاً للثقة ويجب أن يتم توجيهها "من الأعلى" لتحقيق مصلحة الدولة، و‏اعتقد استحالة إخبار الناس بالحقائق خالصة ويجب أن يتم توجيه عقولهم والتلاعب فيها لتحقيق المصالح العليا، سماها بيرنيز "هندسة الإقناع".

ابنة بيرنيز قالت في مقابلة معترضة على أبيها:

إذا لم تترك الأمر للناس أنفسهم للاختيار بل تجبرهم لاختيار ما تريد، فأين هي الديمقراطية؟!

أما الاستخبارات الأمريكية المركزية فقد موّلت بالملايين لأبحاث وتجارب أقيمت بالفعل على بعض الأشخاص، تضمنت عقاقير وصدمات كهربائية وغسيل المخ لمحو ذاكرة وتكوين وبرمجة شخصية جديدة.


في الخمسينيات وظفت شركة أمريكية لإنتاج الموز في غواتيمالا عالم النفس والعلاقات العامة "إدوارد بيرنيز" عندما حدثت هناك أزمة ومطالبات شعبية بتملّك الموز من قبل غواتيمالا كثروة وطنية، كانت لدى بيرنيز خطة للتأثير على الرأي العام داخل أمريكا فقام باصطحاب صحفيين أمريكيين مؤثرين إلى غواتيمالا وقام برشوة سياسيين هناك ليخبروا الصحفيين بأن غواتيمالا بلد اشتراكي تابع للسوفييت، وقام أيضاً باختلاق وكالة أنباء وهمية في أمريكا لخداع الناس بأن موسكو تستخدم غواتيمالا لضرب أمريكا وتهديد مبادئها وديمقراطيتها! تلا هذا تدخل من المخابرات المركزية وضربة جوية أمريكية في غواتيمالا أدت إلى تغيير الحكم!

(اقرأ في ويكيبيديا عن دور المخابرات في الانقلاب على الرئيس الشرعي للبلاد والمصلحة التجارية المتعلقة في القضية)


وقد دفعني هذا للتساؤل: إن كانت أمريكا قامت بالفعل في الخمسينات بتغيير نظام الحكم في غواتيمالا من أجل "الموز" فما هي مستعدة لتفعل من أجل "النفط" والسيطرة على الشرق الأوسط؟!

ما هو الفرق بين ما فعلته أمريكا بالأمس وما تقوم به هي وغيرها من الدول من شن لحروب وتدخل بحروب أخرى تحت مبررات حماية الأمن الوطني واستباقاً لعدوان على بلادها؟

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

مهزلة العقل البشري


لو كان بيدي أن أختار فكرة واحدة ليعرفها ويؤمن بها كل البشر، فكرة واحدة فقط، فلن أختار شيئاً من عقيدتي الدينية، ولن أختار فكرة سياسية قد تقلل الأزمات السياسية، وبالطبع لن أتمنى أن يشجع الجميع منتخب ألمانيا!! لأنه يعني نهاية إثارة مباريات كرة القدم وفقدان نشوة الفوز بكأس العالم :)

الفكرة التي أرغب بشدة بإقناع العالم بها هي: "مهزلة العقل البشري"!

أن أفكارك كلها وعقائدك وآراءك وقناعاتك ليست بالحقيقة الصافية التي تتصورها، هي نتيجة معالجة عقلك للمعطيات والتدخلات الكثيرة والمتنوعة. عقل كل واحد منا يخضع لتأثير هائل من محيطه الاجتماعي، هل هي صدفة أن الأغلبية الساحقة من كل أسرة وفئة اجتماعية تتشابه بالانتماءات إلى حد كبير؟ هل تتصور أن هذه الغالبية الساحقة تتعمد جحود "الحق"؟ لا! العقل البشري يميل إلى تصديق أفكار المحيط ويخضع لأمواج البيئة التي ينتمي إليها، يشعر بالاستقرار المريح بالمحافظة على الأفكار التي رضع منها في صغره وتغذى عليها في شبابه.

العقل البشري قادر بشكل خيالي على خلق وتطويع كل المبادئ للاقتناع بصحة أفكاره وتبرير كل الحقائق والأحداث والتناقضات، يركز على نقاط قوة ويتغاضى عن نقاط ضعف.. ألا ترى أن هناك الكثير من العقلاء من مختلف الأديان والتيارات السياسية المتعارضة الذين لا يُشك بحُسن إدراكهم ويستحيل تواطؤهم وعنادهم جميعاً؟ ربما تجيب: صحيح، هؤلاء تأثروا بمحيطهم ولذلك لا يرون الحق حقاً.. والمصيبة هنا: الإنسان دائماً يستثني نفسه من هذه القاعدة.. يا صاحبي أنت وجماعتك لستم بدعاً من البشر.. أنتم أيضاً ضحية لـ "مهزلة العقل البشري"!

من هنا تجد تعبيراً شائعاً عندنا يقال كلما جاء أحد برأي جديد أو شكك بأحد الثوابت، فيقول: "يا فلان شبهتك هذي مردود عليها".. هكذا وبكل بساطة، ما دام هناك من العلماء والمفكرين الأجلاء من رد على هذه الشبهة فلا داع لتفكر حتى فيها أو تقرأ وتقيّم الرد عليها ما دام موجوداً.

للأسف الشديد فإن "مهزلة العقل البشري" في أعلى المستويات في مجتمعاتنا العربية المسلمة، عقولنا في صناديق مقفلة، غسيل المخ على أعلى مستوى، طبقنا المثل "التعليم بالصغر كالنقش على الحجر" حرفياً على أبنائنا، ومارسنا بشكل ممنهج تنويماً مغناطيسياً يفوق ما تقدمه عروض التنويم المغناطيسي في لاس فيغاس! أما الآية الكريمة "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون" فهي مختصة بالكافرين فقط.. أما من يشك بأفكارنا فهو منبوذ وكافر!

متى ما أدركنا حقيقة عقلنا البشري أصبح الطريق ممهداً لنبذ مرض التعصب والطائفية الذي ينخر بمجتمعاتنا ويشعل الحروب ويريق الدماء، متى ما تقبلنا الآخر وتفهمنا اختلافه وقناعته قضينا على الحواجز التي تفرّق بيننا والتصنيفات التي أخرجتنا من دائرة الإنسان وحضن الوطن.. إدراك هذه الحقيقة هي النجاة لنا من الفساد والتخلف والدمار.

"مهزلة العقل البشري" هو عنوان كتاب للدكتور علي الوردي نُشر سنة 1959، يتناول فكرة هذه المقالة بعمق أكبر ومنظور علم الاجتماع مع مناقشة منطق أرسطو والفلاسفة والخوض في خلافات المسلمين التاريخية التي لا تزال تعصف بأمتنا ليومنا هذا. ستختلف على الأغلب مع بعض تحليلات المؤلف التاريخية فليس هو متخصصاً في التاريخ ولكن الكتاب سيكون ملهماً لك وممتعاً لأعلى درجة..
كتاب واجب القراءة!










الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

نهاية كل شيء



كتاب ينتمي لفئة (الأدب العلمي)، النوع الذي أفضله في الوقت الحالي، ليس هو بالعلمي البحت بالتفاصيل المملة، ولا هو بالأدبي الخيالي الذي لا يضيف لثقافتك الكثير، ولكنه كتاب علمي في قالب أدبي مشوّق كالقصة التي تنتظر نهايتها.

ليس سوداوياً كما يوحي العنوان.. منوع، يتكلم عن ماضي وحاضر ومستقبل الحياة والكون. يتحدث عن جميع النهايات، نهاية البشر: السيناريوهات المحتملة والمخاطر المحدقة، والمخاطر التي تخطتها البشرية في السابق ومحاولاتنا الحالية والمستقبلية للهروب من الموت.. نهاية الحياة بجميع أنواعها على كوكب الأرض، ألا تشعر بالفضول للتساؤل عن نهاية الحياة، متى ستكون وما هو سببها حسب توقع الكاتب الفلكي الفيزيائي.. وأين وكيف ستتوجه البشرية وتصرَّف العلوم والتكنولوجيا للاستمرار بالمسيرة البشرية خارج نطاق الكرة الأرضية..
ثم يتحدث عن نهاية كوكب الأرض، فالشمس والمجرات والكون كله.

الكتاب لا يتحدث فقط عن علم الفلك والكون، بل سيضيف إلى رصيدك في الطب والبيولوجيا وقسطا لا بأس به من التاريخ والجيولوجيا والكيمياء والمناخ والبيئة والتكنولوجيا.

قد تشعر بالملل عند بعض تفاصيل نهاية النجوم والنجوم الزائفة، كان هذا هو الجزء الوحيد الذي قرأته ببعض الملل ولكن سرعان ما عادت الإثارة مع المادة المظلمة والطاقة المظلمة ونهاية الجاذبية والكون.

سيصيبك الضياع (وربما تشك بأنك تقرأ كتاباً علمياً!) عند الحديث عن الكون المتعدد ونظرية الأوتار، ولكن أليس من الرائع الإدراك أن هناك من الآفاق ما يفوق استيعابنا ويدعونا لمزيد من التأمل والتفكير، وربما تكتفي بلمحة منه؟

احتوى الكتاب على الكثير من التصورات المبنية على افتراضات وتوقعات وخيال واسع ومبالغة في التفاؤل في لامحدودية عقل الإنسان، ولكن ما المانع من قراءة هذا الخيال ما دام الكاتب لا يدّعي أنه وحي منزل وحقيقة حتمية؟!

يتكون كل فصل من أقسام قصيرة (صفحتين أو ثلاث لكل منها) يمكنك أن تتوقف ما أن تشعر بالتعب من دون أن تكسر شيئاً من التسلسل. ترجمة الكتاب رائعة وسلسلة ونادرة الأخطاء.

إذا كنت من محبي العلم والثقافة فأضمن لك الاستمتاع بقراءة هذا الكتاب، لأن كاتب هذه السطور قارئ ملول جداً ومن النادر أن يكمل شيئاً بدأه.. إلا إن كان مستحقاً فعلاً للإكمال!

مع كل هذا المديح.. أعتقد أن كتابيْ (مختصر تاريخ كل شيء) و (سحر الواقع) في قسم الأدب العلمي يأتيان بدرجة واحدة من الأفضلية على (نهاية كل شيء)، خاصة إن كنت تبحث عن واقعية وعلم أكثر من الأدب والخيال.

السبت، 3 أكتوبر 2015

Hashim Plus


هذه هي مشاركتي الأولى ومقدمة لهذه المدونة التي أنشأتها لسبب رئيسي، وهو التحرر من قيد الحروف في تويتر وإعطاء مساحة أكبر للتعبير عن الفكرة وترتيبها وتوضيحها. لا يعني هذا أني سأكثر الكلام وأبالغ في الثرثرة فأنا أحب الإيجاز والكتابة بأقل مقدار ممكن لإيصال الأفكار والمعلومات.
لن يكون للمدونة مجال واحد، ستكون مفتوحة ومنوعة مثل حسابي الشخصي في تويتر الذي لا يحمل اتجاهاً واحداً.. ربما أبدأ برأيي في كتاب قرأته، ثم أعلق على حدث مهم أثار ضجة، وبعدها أكتب مقالاً عن أفلامي المفضلة لهذه السنة.. ألخص لك معلومة جديدة تعلمتها أو رحلة سفر قضيتها، قبل أن أخصص مقالاً عن توقعاتي لبطولة أمم أوروبا!

أسميت المدونة Hashim Plus تعبيراً عن أنها أكثر من مجرد 140 حرفاً.