الخميس، 31 أغسطس 2017

(لعبة العروش) .. موناليزا المسلسلات التلفزيونية


لم أكن أتصور أن مسلسلاً تلفزيونياً سيتمكن مني مثلما فعل (Game of Thrones).. هذا الاسم الذي غزا عالم الفن والتلفزيون مثلما تغزو مباراة الكلاسيكو "تايملاين" تويتر و"تلوع چبد" غير المهتمين! ما يزيد عجبي أنني لست من هواة (Harry Potter) أو (Lord of the Rings).. فلم أتصور أنني سأحب عملاً فنياً زاخراً بالخيال والخرافات والتنانين! مسلسل لعبة العروش "عالم مختلف" ولا يقارن بأي شيء آخر!

عندما أقول "عالم مختلف" فأنا أقصد كلا المعنيين المجازي والحرفي، فالمسلسل مبني على عالم افتراضي كامل، جغرافيا ومدن وممالك افتراضية، أعراق وعوائل وثقافات وأديان وتاريخ.. كلها من اختراع الكاتب المجنون جورج ر.ر. مارتن بالتفاصيل المملة التي تشك بأنها كُتبت في حياة إنسان واحد، ومن وحي خياله.. لدرجة أن المغني "المحشش" سنوب دوغ ظن أن المسلسل مبني على تاريخ حقيقي!

المسلسل مزيج بين الدراما والمغامرة والخيال، بإخراج لا نظير له، وتفاصيل صغيرة جداً ولكنها في قمة الدقة والعمق، مليء بالحبكات والأسرار.. ففي كثير من الأحيان تنتبه إلى إشارات زرعها الكاتب خصيصاً لمن يعيد المشاهدة، وكأنه صمم المسلسل ليشاهد مرات عديدة، المرة الأولى للتركيز على الأحداث والمرات الأخرى للتركيز على التفاصيل والأسرار وما بين السطور*.

لعل أبرز ما يميز هذا المسلسل وهو أكثر ما يغيظ متابعيه.. أنك لن تستطيع تنبؤ الأحداث ولن تجد البطل المحبّب المحصّن من الموت لأجل عيون المتابعين.. وكما قيل – من باب المبالغة - : إذا أحببت أحد الشخصيات في المسلسل، فتوقع قرب نهايته!


كل شيء في (Game of Thrones) مرسوم بعناية وتخطيط، من التاريخ والأحداث إلى الشخصيات التي تم تصميمها بناء على جذورها وماضيها وثقافتها والأحداث التي مرت فيها.. من المستحيل أن تظن للحظة أن المؤلف لم يقرر مسار المسلسل أو أنه يضيف غموضاً اعتباطياً (كما فعل مؤلف مسلسل LOST مثلاً!). جورج مارتن بدأ يكافئ المتابعين على صبرهم، بالإجابة على الأسئلة وتسارع الأحداث وتضييق مساراتها.. بعدما كان يفتح أبواب الاحتمالات ويزيد التساؤلات والفضول طيلت المواسم الأولى.

إن كنت محباً للفن التلفزيوني ولم تشاهد المسلسل لأي من الأسباب التي يرردها الآخرون، فأنت كمحب الكرة الذي لم يشاهد كأس العالم أو عاشق الموسيقى الذي لم يستمع لياني**.. سيظل (Game of Thrones) لسنوات طويلة لا يُقارن بأي عمل تلفزيوني آخر.


-----
*أتذكر انطباعي السلبي الأول عن المسلسل بعد مشاهدة أول حلقتين، أخبرت أصدقائي الذين نصحوني فيه أن المسلسل مثل (الجوارح) ولكن بإخراج أجنبي! الحلقات الأولى كانت تعريفية وتمهيدية بالدرجة الأولى، فتريث قليلاً قبل الحكم على العمل.
**تجدر الإشارة إلى أن مقطوعات المسلسل الموسيقية للألماني الإيراني رامين جوادي بحد ذاتها تحف فنية رائعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق