الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

قوة خارقة اسمها الـEmpathy


كثيراً ما يخلط الناس بين كلمتي "Sympathy" و "Empathy" الإنجليزيتين، الأولى تعني التعاطف، والثانية كلمة حديثة نسبياً في الإنجليزية، لا يوجد لها كلمة مرادفة في العربية، لعل الأقرب والأبسط هو: التقمص العاطفي، أي وضع نفسك في مكان الآخر.. أو على حذاء الآخر، على حد تعبير الإنجليز!*

حسب تعريف معجم كامبردج، تُعرَّف الكلمة بأنها: القدرة على مشاركة أحاسيس الآخر وتجاربه، بتصوّر كيف سيكون الأمر لو كنت في موقفه.



نميل دائماً لتصنيف الناس إلى "أخيار وأشرار" وإلى "طيب وخبيث" و"عالم وجاهل" ...إلخ، هكذا فُطر عقلنا البشري، وغُذّي من محيطه الأسري والاجتماعي عقائده وأفكاره بالأسس المنطقية والقوانين المناسبة لها فلا يكون للشك والتردد مكاناً عند أغلب الناس.

لعل البعض يتساءل بعد حدثٍ ما فجّر ردود الأفعال في وسائل التواصل الاجتماعي: كيف يكون كل الناس أو الأغلبية الساحقة من الفئة الفلانية متفقين على ردة الفعل هذه؟ أين العقلاء منهم؟!
ما لا يمكن أن نختلف عليه، أن الأفكار المتناقضة لا يمكن أن تكون كلها صحيحة.. كما لا يمكن الادعاء بأن كل الآخرين معاندون وجهلاء وأشرار!

هنا يأتي دور "التقمص العاطفي" لحل هذه المعضلة، أن تضع نفسك في مكان الآخر وتحاول أن تعيش أفكاره التي تربى عليها والتراث التاريخي المتراكم، وسلسلة الأحداث التي تلقاها بمنظوره وكوّنت مخزونه الفكري والعاطفي حول الآخرين! إذا حرّرت عاطفتك وأعطيت مساحة لعقلك ليفكر في مكان الآخر ونجحت ولو جزئياً في تفهّم مواقفه وردود أفعاله، فقد خطوت الخطوة الأصعب للوصول إلى نقاط مشتركة، وربما تخفيف الصراعات البغيضة والاحتقان الذي لا ينتهي.. وعلى الصعيد الشخصي: سيعيش قلبك راحة وسكينة أكبر عند متابعة الدراما اليومية لوسائل التواصل الاجتماعي..



إذا كنت محظوظاً جداً فلربما كُشفت لك أفكار جديدة وأدركت أنك كنت تعيش في غرفة مظلمة!

عليك أن تدرك أن موقف الآخر وردة فعله ليست ببساطة منطق أرسطو أو بسهولة حل معادلة خطية من الدرجة الأولى، ولكنها وليدة متفاعلات كثيرة منها:
1.     عشرات القرون من الأفكار الدينية المتوارثة أباً عن جد، ومخزون عاطفي هائل وليد منها وما تبعها من أحداث تاريخية.
2.     بيئة اجتماعية مختلفة تماماً.
3.     مصادر أخبار وأفكار وآراء هي محل ثقة عنده دونك، والعكس صحيح.
4.     سلسلة متواصلة من الأحداث المعاصرة قد تلقاها بطريقة مختلفة وخلفية مختلفة، نتيجة للأسباب السابقة.
5.     مجالس ودواوين تكرّس الأفكار والمخاوف وتسقط من الأخرى.

إذا وضعت اعتباراً لهذه الخلفيات وفكرت فيها جيداً، لعلك ستسلّم بأنك لو كنت مكانه لاتخذت نفس الموقف.. أو على الأقل لتفهمت موقفه وردة فعله. الناس – باستثناء هتلر وصدام وأشباههما وأضدادهما! - ليسوا أخياراً أو أشراراً بالوصف المطلق، والجزء الأكبر من أقوالهم وأفعالهم ليس وليد الخير والشر الكامن فيهم، بل وليد عقلهم البشري الخاضع للظروف الاجتماعية/البيئية/التاريخية المسيطرة عليهم والتجارب التي مرت بهم.


------------
*الـEmpathy ليست مرادفة للإيثار وليست عكس الأنانية، فالأولى على مستوى التفكير والفهم والشعور والثانية على مستوى الفعل. بإمكانك على سبيل المثال أن تعيش شعور ومعاناة الآخر دون أن تظهر أي موقف إيجابي تجاهه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق