الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

نظرية التطور، والتوزيع الجغرافي للكائنات الحية


(التوزيع الجغرافي) للكائنات الحية هو أحد الأدلة الجميلة على صحة نظرية التطور، يُذكر عادة كدليل ثانوي بعد الأدلة الرئيسية الثلاث: الجينية والأحفورية والجنينية.

توزيع الحيوانات جغرافياً، سواء من قارة لأخرى أو في القارة نفسها، يتوافق تماماً مع آلية نظرية التطور، من خلال تطورها عبر مدة طويلة جداً حسب أماكن تواجدها وإمكانية تحركها وهجرتها، ولم توجد كما هي في نقطة بداية وانتشرت.

وقد لاحظ علماء الطبيعة أن المناطق المعزولة جغرافياً بجبل أو واد أو بحر أو نهر تكون بيئة مناسبة لنشأة أنواع مختلفة من الحيوانات، ويكون فيها الاختلاف ملائماً للبيئة وموافقاً للانتخاب الطبيعي.

يُعد وجود نوعين شبيهين على ضفتي نهر (مثلاً) مؤشراً قوياً على أن أسلافهما كانت نوعاً واحداً وحدث التغيير بعد الانفصال الجغرافي. هذا الانفصال الجغرافي لقسم صغير من الكائن الحي وانعزاله يتيح له الفرصة للتغير في الصفات مبتعداً عن "المستودع الجيني" الذي يصعب تغييره في العشيرة الكبيرة التي تقضي على أي طفرة - وإن كانت مفيدة - عن طريق التزاوج واختلاط الجينات الذي يفرض سيادة المستودع الجيني.

كما لاحظ العلماء وجود نوع من النسبة والتناسب بين صعوبة العزلة الجغرافية وقِدم حدوثها، ودرجة الاختلاف بين نوع الكائن الحي وقريبه في الجهة الأخرى، بتعبير آخر: كلما كانت عزلة المنطقة أشد وأقدم كان الاختلاف أكبر، وهذا موافق تماماً لآلية التطور التي تحتاج إلى الوقت والانعزال لحدوث التغيير بين بني العمومة من الكائنات الحية.

من الأمثلة على ذلك، التنوع والاختلاف في غالاباغوس بين طيور الجزر القريبة من بعضها، وبين بني عمومتها الأبعد على البر الرئيسي في أمريكا الجنوبية، فلماذا تكون طيور الجزر القريبة متشابهة في الصفات (وإن كانت أنواعاً مختلفة) بينما طيور القارة مختلفة أكثر، إلا لأن الوقت والعزل أتاح لطيور الجزر التطور بدرجة كبيرة عن طيور القارة بينما لم يتيحا لنفس طيور الجزر لتختلف كثيراً عن بعضها البعض؟

مثال آخر على قوة الانعزال الجغرافي هو خلو أستراليا* من كل أنواع الثدييات إلا الجرابية (الكيسية)، باستثناء الوطاويط التي تستطيع الطيران وعبور الجزر، فلماذا لا توجد في استراليا أي خراف أو قردة أو قطط، إلا لأن سلفاً مشتركاً بين الثدييات الأولية هاجر في وقت قديم جداً كانت فيه أستراليا متصلة مع العالم، وأمكن لهذا الحيوان الثدي البدائي أن يتطور وينشئ سلالة فريدة كالكنغر والكوالا وشيطان تسمانيا**.

نأتي إلى الضفادع، فقد لاحظ علماء الطبيعة بأنها لا تعيش (بصفة أصلية!) في أي من جزر المحيطات في العالم، لسبب بسيط وهو أن بيضها يموت في المياه المالحة، وبالتالي فإن هجرتها عبر المحيطات مستحيلة، ولكن لحسن الحظ فإن قاراتنا المنفصلة كانت لفترة طويلة جداً قارة واحدة متصلة، أتاحت لأسلاف الضفادع الانتشار والتنوع، في نطاق القارات فقط.

جاء اكتشاف "نظرية الانجراف القاري" ليؤكد نظرية التطور ويتوافق مع التوزيع الجغرافي الحالي للكائنات الحية، حيث نجد "بني العمومة" في القارات رغم انفصالها الحالي، ونرى الاختلاف والتنوع في كل عائلة وجنس ونوع في شجرة عائلة الكائنات الحية.. فهناك قرد أمريكا الجنوبية العنكبوتي وليمور مدغشقر ومكاك أندونيسيا الأسود وشمبانزي أفريقيا.. كل هذا التنوع الذي لم يكن ليحدث لولا ابتعاد القارات والعوازل الجغرافية التي أتاحت لها للتميز.

====
* أقصد بخلو القارة، خلوّها بالظروف الطبيعية، لأن البشر بعد استيطان القارة نقلوا مختلف أنواع الحيوانات معهم، فإن كنت لم تسمع عن قصة توطين الجمال في الأراضي الأسترالية وما نتج عنه من تبعات.. فمن منا لا يعرف الخراف الأسترالية!؟
** أنواع أخرى من الثديات الجرابية تعيش في أمريكا الجنوبية، وهي حقيقة وإن كانت للوهلة الأولى تبدو مستغربة، ولكن يزول العجب عندما نعلم بأن قارتي أستراليا وأمريكا الجنوبية (إضافة إلى القطب الجنوبي) كانت متصلة في مرحلة ما قبل الانفصال والابتعاد إلى مواقعها الحالية.

الخميس، 31 أغسطس 2017

(لعبة العروش) .. موناليزا المسلسلات التلفزيونية


لم أكن أتصور أن مسلسلاً تلفزيونياً سيتمكن مني مثلما فعل (Game of Thrones).. هذا الاسم الذي غزا عالم الفن والتلفزيون مثلما تغزو مباراة الكلاسيكو "تايملاين" تويتر و"تلوع چبد" غير المهتمين! ما يزيد عجبي أنني لست من هواة (Harry Potter) أو (Lord of the Rings).. فلم أتصور أنني سأحب عملاً فنياً زاخراً بالخيال والخرافات والتنانين! مسلسل لعبة العروش "عالم مختلف" ولا يقارن بأي شيء آخر!

عندما أقول "عالم مختلف" فأنا أقصد كلا المعنيين المجازي والحرفي، فالمسلسل مبني على عالم افتراضي كامل، جغرافيا ومدن وممالك افتراضية، أعراق وعوائل وثقافات وأديان وتاريخ.. كلها من اختراع الكاتب المجنون جورج ر.ر. مارتن بالتفاصيل المملة التي تشك بأنها كُتبت في حياة إنسان واحد، ومن وحي خياله.. لدرجة أن المغني "المحشش" سنوب دوغ ظن أن المسلسل مبني على تاريخ حقيقي!

المسلسل مزيج بين الدراما والمغامرة والخيال، بإخراج لا نظير له، وتفاصيل صغيرة جداً ولكنها في قمة الدقة والعمق، مليء بالحبكات والأسرار.. ففي كثير من الأحيان تنتبه إلى إشارات زرعها الكاتب خصيصاً لمن يعيد المشاهدة، وكأنه صمم المسلسل ليشاهد مرات عديدة، المرة الأولى للتركيز على الأحداث والمرات الأخرى للتركيز على التفاصيل والأسرار وما بين السطور*.

لعل أبرز ما يميز هذا المسلسل وهو أكثر ما يغيظ متابعيه.. أنك لن تستطيع تنبؤ الأحداث ولن تجد البطل المحبّب المحصّن من الموت لأجل عيون المتابعين.. وكما قيل – من باب المبالغة - : إذا أحببت أحد الشخصيات في المسلسل، فتوقع قرب نهايته!


كل شيء في (Game of Thrones) مرسوم بعناية وتخطيط، من التاريخ والأحداث إلى الشخصيات التي تم تصميمها بناء على جذورها وماضيها وثقافتها والأحداث التي مرت فيها.. من المستحيل أن تظن للحظة أن المؤلف لم يقرر مسار المسلسل أو أنه يضيف غموضاً اعتباطياً (كما فعل مؤلف مسلسل LOST مثلاً!). جورج مارتن بدأ يكافئ المتابعين على صبرهم، بالإجابة على الأسئلة وتسارع الأحداث وتضييق مساراتها.. بعدما كان يفتح أبواب الاحتمالات ويزيد التساؤلات والفضول طيلت المواسم الأولى.

إن كنت محباً للفن التلفزيوني ولم تشاهد المسلسل لأي من الأسباب التي يرردها الآخرون، فأنت كمحب الكرة الذي لم يشاهد كأس العالم أو عاشق الموسيقى الذي لم يستمع لياني**.. سيظل (Game of Thrones) لسنوات طويلة لا يُقارن بأي عمل تلفزيوني آخر.


-----
*أتذكر انطباعي السلبي الأول عن المسلسل بعد مشاهدة أول حلقتين، أخبرت أصدقائي الذين نصحوني فيه أن المسلسل مثل (الجوارح) ولكن بإخراج أجنبي! الحلقات الأولى كانت تعريفية وتمهيدية بالدرجة الأولى، فتريث قليلاً قبل الحكم على العمل.
**تجدر الإشارة إلى أن مقطوعات المسلسل الموسيقية للألماني الإيراني رامين جوادي بحد ذاتها تحف فنية رائعة.

الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

قوة خارقة اسمها الـEmpathy


كثيراً ما يخلط الناس بين كلمتي "Sympathy" و "Empathy" الإنجليزيتين، الأولى تعني التعاطف، والثانية كلمة حديثة نسبياً في الإنجليزية، لا يوجد لها كلمة مرادفة في العربية، لعل الأقرب والأبسط هو: التقمص العاطفي، أي وضع نفسك في مكان الآخر.. أو على حذاء الآخر، على حد تعبير الإنجليز!*

حسب تعريف معجم كامبردج، تُعرَّف الكلمة بأنها: القدرة على مشاركة أحاسيس الآخر وتجاربه، بتصوّر كيف سيكون الأمر لو كنت في موقفه.



نميل دائماً لتصنيف الناس إلى "أخيار وأشرار" وإلى "طيب وخبيث" و"عالم وجاهل" ...إلخ، هكذا فُطر عقلنا البشري، وغُذّي من محيطه الأسري والاجتماعي عقائده وأفكاره بالأسس المنطقية والقوانين المناسبة لها فلا يكون للشك والتردد مكاناً عند أغلب الناس.

لعل البعض يتساءل بعد حدثٍ ما فجّر ردود الأفعال في وسائل التواصل الاجتماعي: كيف يكون كل الناس أو الأغلبية الساحقة من الفئة الفلانية متفقين على ردة الفعل هذه؟ أين العقلاء منهم؟!
ما لا يمكن أن نختلف عليه، أن الأفكار المتناقضة لا يمكن أن تكون كلها صحيحة.. كما لا يمكن الادعاء بأن كل الآخرين معاندون وجهلاء وأشرار!

هنا يأتي دور "التقمص العاطفي" لحل هذه المعضلة، أن تضع نفسك في مكان الآخر وتحاول أن تعيش أفكاره التي تربى عليها والتراث التاريخي المتراكم، وسلسلة الأحداث التي تلقاها بمنظوره وكوّنت مخزونه الفكري والعاطفي حول الآخرين! إذا حرّرت عاطفتك وأعطيت مساحة لعقلك ليفكر في مكان الآخر ونجحت ولو جزئياً في تفهّم مواقفه وردود أفعاله، فقد خطوت الخطوة الأصعب للوصول إلى نقاط مشتركة، وربما تخفيف الصراعات البغيضة والاحتقان الذي لا ينتهي.. وعلى الصعيد الشخصي: سيعيش قلبك راحة وسكينة أكبر عند متابعة الدراما اليومية لوسائل التواصل الاجتماعي..



إذا كنت محظوظاً جداً فلربما كُشفت لك أفكار جديدة وأدركت أنك كنت تعيش في غرفة مظلمة!

عليك أن تدرك أن موقف الآخر وردة فعله ليست ببساطة منطق أرسطو أو بسهولة حل معادلة خطية من الدرجة الأولى، ولكنها وليدة متفاعلات كثيرة منها:
1.     عشرات القرون من الأفكار الدينية المتوارثة أباً عن جد، ومخزون عاطفي هائل وليد منها وما تبعها من أحداث تاريخية.
2.     بيئة اجتماعية مختلفة تماماً.
3.     مصادر أخبار وأفكار وآراء هي محل ثقة عنده دونك، والعكس صحيح.
4.     سلسلة متواصلة من الأحداث المعاصرة قد تلقاها بطريقة مختلفة وخلفية مختلفة، نتيجة للأسباب السابقة.
5.     مجالس ودواوين تكرّس الأفكار والمخاوف وتسقط من الأخرى.

إذا وضعت اعتباراً لهذه الخلفيات وفكرت فيها جيداً، لعلك ستسلّم بأنك لو كنت مكانه لاتخذت نفس الموقف.. أو على الأقل لتفهمت موقفه وردة فعله. الناس – باستثناء هتلر وصدام وأشباههما وأضدادهما! - ليسوا أخياراً أو أشراراً بالوصف المطلق، والجزء الأكبر من أقوالهم وأفعالهم ليس وليد الخير والشر الكامن فيهم، بل وليد عقلهم البشري الخاضع للظروف الاجتماعية/البيئية/التاريخية المسيطرة عليهم والتجارب التي مرت بهم.


------------
*الـEmpathy ليست مرادفة للإيثار وليست عكس الأنانية، فالأولى على مستوى التفكير والفهم والشعور والثانية على مستوى الفعل. بإمكانك على سبيل المثال أن تعيش شعور ومعاناة الآخر دون أن تظهر أي موقف إيجابي تجاهه.

الاثنين، 24 أبريل 2017

أفضل 10 مقطوعات موسيقية لـ ياني - Yanni's Top 10

بمناسبة زيارته للكويت، اخترت لكم 10 مقطوعات موسيقية أعتبرها هي الأفضل للموسيقار اليوناني "ياني".. وأبدأ بالأفضل:

(1)
Reflections Of Passion

(2)
Rites Of Passage

(3)
Adagio In C Minor

(4)
Nostalgia

(5)
In The Morning Light

(6)
So Long My Friend

(7)
First Touch


(8)
Felitsa

(9)
A Word In Private

(10)
Marching Season

لم تكفني قائمة العشرة الأفضل، فزدتها اثنتين..
(11)
Nightingale

(12)
Almost a Whisper


الخميس، 30 مارس 2017

أسلحة، جراثيم وفولاذ

قرأت مؤخراً عن جزيرة تقع جنوب غرب نيوزيلاندا لم أسمع بها من قبل، اسمها (تشاتام)، سكنها شعب بدائي مسالم، وتعرض للإبادة من قبل بني عمومته الأكثر تمدناً من نيوزيلاندا.. هذه باختصار قصة شعبيْ الموريوري والماوري اللذين كانا شعباً واحداً قبل أن يهاجر قسم منهم إلى الجزيرة الصغيرة ويكوّن مجتمعاً صغيراً بدائياً استمر في الاعتماد على صيد الأسماك وجمع الثمار، بينما أتيحت الفرصة لبني عمومته لتكوين مجتمع أكثر تقدماً ولسوء الحظ أكثر عدوانية. تعبّر قصة إبادة الموريوري عن تجربة حقيقية حديثة نسبياً (1835م) تمثل تاريخ البشر المليء بالحروب والاستعمار ودور تنوع البيئات في اختلاف المجتمعات البشرية.
مازلت في بدايات قراءتي للكتاب الممتع (أسلحة، جراثيم، وفولاذ) الذي يبحث في أسباب تفوق مجتمعات على أخرى واستعمارها، لماذا استعمر الأوربيون العالم الجديد ولم يحدث العكس؟ لماذا امتلكوا الأسلحة والمعرفة قبل غيرهم؟ وهل تصح الادعاءات بأنهم جنس بشري أرقى وأكثر ذكاء، أم أن أسباباً بيئية وجغرافية بحتة هي التي أدت لهذا التفوق؟
مما زاد فضولي للاستمرار بقراءة الكتاب، تسليطه الضوء على مجتمعات بولينيزيا وجزر المحيط الهادي النائية الساحرة بجمالها ولا نعرف عن شعوبها وتاريخها أي شيء تقريباً، اتخذها المؤلف كنموذج لدراسة تأثير البيئة والجغرافيا على مصائر المجتمعات، كون هذه الجزر أحدث الأماكن استيطاناً ومتنوعة بيئياً، وهي صغيرة الحجم وبالتالي تكون بداية جيدة لفهم الصراعات الكبيرة والقديمة.
تتناول كتب التاريخ الأحداث عادة ابتداءً من أول الحضارات الإنسانية التي عرفت الكتابة وتركت آثاراً وتراثاً، حضارات بلاد الرافدين والفراعنة والصينيين وما بعدها.. ولكن ماذا عن ما قبل هذه الحضارات، أليس له أي دور فيما نعيشه اليوم؟ ألا يستحق تاريخ امتد لعشرات الآلاف من السنين اهتمامنا وفضولنا العلمي؟
يتحدث كتاب (أسلحة، جراثيم، وفولاذ) عن التاريخ الكبير للبشرية، منذ بدايات الجنس البشري في قارتنا الأم أفريقيا، وتوالي الهجرات إلى آسيا وأوروبا وشرق آسيا وأستراليا وأمريكا، ويتناول تطور المجتمعات البشرية من أبسط أشكالها (الصيد والجمع) حيث اعتمد على صيد الفرائس وجمع الثمار والتنقل إلى مناطق أخرى.. ثم التطور إلى مجتمعات الزراعة وتدجين الحيوانات، وانتهاءً بالقرى والمدن التي تتميز بتخصص الأفراد وتقسيم المهام وبالتالي التفرغ للاكتشاف والابتكار والإبداع.
أحد الأسئلة التي يحاول أن يجيب عنها المؤلف: لماذا تطورت مجتمعات في أنحاء من العالم دون الأخرى، أو سبقتها بقرون طويلة؟
بإمكاننا بسهولة البحث عن إجابة تساؤلاتنا حول المنتصر في أي معركة تاريخية مثلاً، ولكن هل توجد إجابات جاهزة عن أحداث ما قبل 6000 سنة ورجوعاً إلى 150 ألف سنة تقريباً من تاريخ البشر؟ كيف تعامل أجدادنا مع أخطار الحياة البرية؟ كيف نجوا من عصور ثلجية متعددة؟ كيف تسيدنا على بقية الحيوانات؟ كيف ومتى انتشرنا في أرجاء الأرض؟*
هنالك الكثير من الأسئلة التي لا نجد لها جواباً واضحاً في كتب التاريخ، ولكن فضول الإنسان لم يستسلم وأخذ العلماء يبحثون في الآثار المدفونة وطبقات الأرض للبحث عن قصص وملاحم لم تسطّرها الكتب.
هذا الفضول الفطري من المؤسف أن يتوقف عند الكثيرين بدوافع دينية وهمية، البحث العلمي يجب أن لا يتوقف عند أي حد، فلولا هذا الفضول العلمي المطلق لما وصل البشر لهذا المستوى المبهر من التقدم العلمي والطبي والتكنولوجي، ولتوقفوا عن البحث بحجة أن "الله خلقه هكذا"، أو "دلّ من النصوص الدينية غير ذلك". لا ينبغي للمؤمن أن يضع بعض الاكتشافات العلمية والتاريخية في موضع صراع مع الدين فالنصوص الدينية لم تكن أبداً لغايات علمية وكلنا نعلم أن أكثر النصوص الدينية قابل لأكثر من فهم وكثيراً ما تم التراجع عن تفسيرات دينية بعد تبيّن خطأها..
لا تضع أي حد لمعرفة تفاصيل هذا العالم الجميل الذي نعيش فيه، فلو شاء خالقه لجعله بلا أدلة.. خالٍ من البصمات التي قادتنا لكل هذه الاكتشافات العلمية والتاريخية!

==
هامش:
*إن كنت مهتماً بإجابات هذه الأسئلة وأمثالها فأنصحك بقراءة كتاب (تاريخ الأحداث الكبرى) لسينثيا براون.

الجمعة، 24 فبراير 2017

Black Mirror

·       أولاً دعني أطمئنك بأني هنا لن أحرق عليك شيئاً من المسلسل، ولكني سألخص فكرته بشكل عام والأسباب التي دفعتني للكتابة عنه.
·       هذه سابقة أن أكتب موضوعاً خاصاً عن مسلسل أو فلم فالعادة أكتفي بتغريدة أو اثنتين، والسبب هو أن المسلسل مجهول عن أغلب متابعي الأعمال الفنية الأجنبية وبرأيي أنه يستحق تسليط الضوء عليه أكثر من غيره.
·       المسلسل بريطاني الإنتاج، والبريطانيون إن كانوا فاشلين نسبياً في الأفلام السينمائية فإنهم مبدعون وناجحون في الكثير من المسلسلات التلفزيونية، مثل:
Game of Thrones, The Night of, Outlander, Sherlock, Taboo
·       كلمة "مسلسل" غير دقيقة، فكل "حلقة" منفصلة تماماً عن الأخرى، كأنها فلم مركز ومضغوط مدته ساعة تقريباً، فلم من غير مقدمات وتفاصيل مملة وغير مهمة.
·       تشترك جميع الحلقات بأنها تدور حول التكنولوجيا الحديثة والمستقبلية، تبعاتها على حياتنا، ونتائجها التدميرية، الحقيقية منها، والخيالية.. على الأقل حتى اليوم.
·       عندما أقول نهاية ومآل مأساوي للتكنولوجيا المستقبلية فلا أعني انعزال الناس وانقطاع العلاقات وانتشار الأمراض النفسية والاجتماعية.. لا! المسلسل ينظر إلى سيناريوهات مستقبلية خيالية، وأيضاً حقيقية ولكنها فوق هذا التصور.
·       بعض الحلقات تدور حول تكنولوجيا موجودة حالياً كوسائل التواصل الاجتماعي، ولكن الأغلب حول تكنولوجيا حديثة لم يطرأ الكثير منها حتى في خيالك.
·       في المسلسل الكثير جداً من المبالغة السلبية والسوداوية، ولكنها تلمس مواضع الألم فيما يخص التكنولوجيا الحالية التي سرقت من حياتنا وحقيقتنا بما فيه الكفاية، والمستقبلية التي لا نستطيع أن نرسم لها أي حدود. الكاتب جريء جداً في الخيال والتصورات.. وفي تقزيز المشاهد بالأفكار المريضة السوداء. أعتبر النصوص مزيجاً من الإبداع والجرأة والأمراض النفسية في الكاتب!!
·       تصنيف المسلسل: دراما، خيال علمي، إثارة. تقييمه في آي أم دي بي: 8.9.
·       الممثلون في المسلسل مختلفون في كل حلقة، لا يوجد أبطال وشخصيات ثابتة.
·       سر تسمية المسلسل (المرآة السوداء) هو الانعكاس الأسود الذي تراه على شاشة التلفاز عند إطفائها.
·       الحلقة الأولى (التي يفترض أن تكون الأقوى، والدافع لمواصلة الحلقات) تبين لي لاحقاً أنها الأضعف والأقل إبداعاً مقارنة بالحلقات اللاحقة.
·       أجمل ما فيه هو الغموض في البدايات، وعنصر المفاجأة، والتنوع إلى أقصى حد بين كل حلقة وأخرى.
·       الموسم الأول من المسلسل بدأ في 2011، لذلك توقّعْ شيئاً من تطور الإخراج في المواسم اللاحقة.
·       تم الانتهاء من 3 مواسم حتى الآن بمجموع 19 حلقة مقّسمة من غير تساو على المواسم، وبانتظار الموسم الجديد المتوقع عرضه شهر 10 من المنتج نتفلكس.
·       إن كان يهمك: المسلسل يعتبر نظيفاً جداً مقارنة بـ قيم أوف ثرونز، و وست ورلد.


إن كنت لا تمانع بلمحة تشجيعية عن أفكار الحلقات (لا تحتوي على حرق للحلقات)، فإليك هذه الأمثلة:
·       يقوم مجهول باختطاف أميرة بريطانيا المحبوبة، ويصورها بمقطع لتطلب من رئيس الوزراء تصوير مشهدد مقزز بشكل مباشر وعلني، في مقابل الإفراج عنها.
·       تكنولوجيا مستقبلية تسمح لنا بتخزين كل ما نشاهده في حياتنا وإعادة عرضه لنا وللآخرين.
·       تستيقظ امرأة من النوم مرعوبة، وتخرج من البيت لترى نفسها مطاردة من مجهولين يحاولون قتلها، بينما يقوم أغلب الناس بالمشاهدة والاستمتاع بتصويرها فقط!
·       في المستقبل تشاهد في عدسات الكترونية كل شخص أمامك مع تقييم (درجة من 5) بناء على تقييم الآخرين له، وبالتالي يتمتع كل شخص بمزايا وتعامُل من الآخرين حسب تقييمه الظاهر للجميع.
·       عصابة تقوم بتصوير الناس من خلال كمبيوتراتهم وابتزازهم لتنفيذ أهدافهم.
·       ... وأفكار أخرى متنوعة لا أستطيع الكتابة عنها بسبب غموضها الذي لا يتكشّف إلا في نهايات الحلقات.

·       المسلسل جعلني أتساءل: لو شاهد التكنولوجيا الحالية شخص عاش قبل 200 سنة وأكثر، هل كان سيستغرب منها أكثر مما شاهدناه في المسلسل؟!


·       في الختام، إذا كنت تبحث عن مسلسل يرفع من معنوياتك ويعدل من مزاجك فأنت تبحث في المكان الخطأ فهذا المسلسل سوداوي وبائس وليس من النوع الذي يكافئك بضحك وتفاؤل! ربما يكون من الجيد إلحاق كل حلقة بحلقة قصيرة من مسلسل كوميدي لتحقيق بعض التوازن!

الخميس، 2 فبراير 2017

برد الكويت وبرد كندا

بما أن موجة برد شديدة تمر علينا هذه الأيام، وحسب بعض مصادر الوتساب فإنها ستصل إلى تحت الصفر بدرجات! فقد خطر علي أن أكتب عن ذكرياتي في موسم الشتاء الذي قضيته في مقاطعة ألبرتا في كندا، حيث تصل الحرارة إلى -36 سيليزية!
·       أولاً يجب أن أقول أن البرد كريه وبغيض، سواء كانت +10 درجات أو -36، ولكن كلما احترمته وأعطيته حقه كلما كان الوضع قابلاً للتحمل والتأقلم.
ملاحظة: لم أمرض طوال شهور الشتاء في كندا، ولكني مرضت في أول يومين في الكويت في إجازتي الشتوية!
·       في كندا، كان علي أن أشتري كل شيء ليناسب درجات الحرارة تلك، البنطرون والبوت والجاكيت والقفازات.. كل شيء يجب أن يكون مكتوب عليه -30 أو -40 حتى تطمئن على حياتك!
·       تطمئن على حياتك أعنيها حرفياً، لأن البرد هناك قاتل وحارق، أخبروني زملائي وأروني صوراً لحوادث "قضمة الصعيق" عندما ينكشف الجلد لفترة طويلة (وبالذات الأذن والخد لأن مجرى الدم فيها أقل) فيسودّ الجلد ويموت. "لا أنصحك أن تبحث عن هذه الصور في غوغل!"
·       عندما أستقيظ من النوم صباحاً (طبعاً صباح مظلم لأن النهار قصير جداً في الشتاء، أذهب للدوام مع طلوع الفجر وأغادره مع غروب الشمس)، المهم مع استيقاظي وقبل كل شيء، أقوم بتشغيل السيارة مع الدفاية على أقصى درجة وأقصى قوة مروحة، وأحياناً أجد في المقعد جنبي بطل ماي أو ببسي متجمد 😁.
·       عندما أصل لمواقف السيارات في الدوام، ولفترة لا تتعدى الدقيقة بلا قفازات، علي أن أفتح غطاء مكينة السيارة لأركب وصلة كهربائية من خزان زيت المكينة (مزود هناك بسخان كهربائي) والطرف الآخر بـ"بلاك" كهربائي أمام كل موقف سيارات.. حتى نتجنب تجمد زيت المكينة خلال الـ8 ساعات عمل.
خلال هذه الدقيقة بلا قفازات، تكاد يدي أن تتخدر وتتيبس من شدة البرد.
(الصورة من غوغل)
·       أما بنزين السيارة فلحسن الحظ لا يتجمد، ومع ذلك تبيع محطات البنزين سائل يضاف للبنزين للتأكد على المحافظة على الحالة السائلة.
·       بمجرد أن تطفئ دفاية السيارة وخلال بضع ثوان، يغزوك البرد مثل شبح.. تقريباً نفس صيفنا إذا أطفأت التكييف.
·       كل سيارة يجب أن تكون مزودة بحقيبة صغيرة للطوارئ في حال تعطلت السيارة في مكان معزول أو غرزت في كومة من الثلج، تحتوي على أعواد ثقاب للتدفئة، غطاء للتدفئة الإضافية وأشياء أخرى.
·       عدة الشتاء تشمل أيضاً: شبل لرفع الثلج، عصاة لإزاحة الثلج من زجاج السيارة، أملاح لإذابة الثلج المتيبس، سائل يضاف للماء الذي يستخدم في تنظيف زجاج السيارة (إياك أن تنسى إضافته.. وإلا فعليك تخيل النتيجة).
·       تحتاج السيارة إما لإطارات خاصة بالشتاء أو تلك المزودة بسلاسل (سمعت بها ولم أرها)، أو إطارات جميع المواسم الخاصة، وهي جيدة ولكن تحتاج لحذر شديد وخاصة أثناء البريكات، البريك القوي يتسبب حتماً بالانزلاق، ولذلك يُنصح ببريكات متقطعة لتجنب ذلك.
·       شخصياً تعرضت للانزلاق أثناء القيادة بعض المرات، ولكن بسبب الاحتياطات بعدم الإسراع وترك مسافات، تجنبت الحوادث ولله الحمد.
·       أذكر الليلة التي قدت من مدينة إدمنتون إلى مدينتنا رد دير ليلاً، حيث شاهدت 10 سيارات تقريباً انجرفت (وغرزت بالثلج) يميناً وشمالاً على مدى الـ150 كيلو.
·       كانت الحكومة تعتني بالطرق جيداً، تأتي الشاحنات لرش الأملاح المذيبة، ولكنها غير كافية لتنظيف الشوارع عند هبوب الثلج بشكل مستمر لأيام.
·       إذا تنبأت الأرصاد بارتفاع الحرارة فوق الصفر، فهو الخبر السيء بالنسبة للكنديين! لماذا؟ لأنه يعني ذوبان الثلج على سطح الأرض، ثم تجمده مرة أخرى مع البرودة، وبالتالي تكوّن جليد صلب صعب التنظيف على عكس الثلج الناعم.
·       مسؤولية كل أصحاب البيوت أو مستأجريها تنظيف الثلج من أمام الكراجات والممشى العام أمام كل بيت، ففي حالة إصابة أي شخص لازلاقه بسبب عدم تنظيفي للثلج، فإنني سأتحمل تعويضه حسب القانون.
·       مع كل هطول للثلج كان علي استخدام شبل الثلج (مجرفة) لإزالة الثلج من الطريق ورميه في حديقة البيت الأمامية التي سيصل ارتفاعها إلى متر ونصف من الثلج المتكدّس مع نهاية الموسم.. كان الألم الحقيقي هو إزالة الطبقة السفلى اليابسة التي تحتاج تكسير بطرف الشبل الحاد.. طبعاً كلما تهاونت وتأخرت وماطلت في التنظيف، كلما كانت هذه الطبقة أكثر سمكاً. حرفياً كنت أتعرق عند درجة حرارة -30!
·       أما السنومان (رجل الثلج) الذي نراه في الأفلام والصور فكلها فوتوب شوب 😝 الصراحة حاولت ولكن الموضوع يبيله تعب ومزاج وخبرة.. والجو ما يساعد.
·       البردي عندهم مختلف عن الذي عندنا.. عندنا مثل حجارة من سجّيل، أما عندهم فهو صغير الحجم ولطيف جداً، يأتي مع أمطار بداية الصيف أحياناً.

·       الجائزة والتعويض مقابل هذا البرد.. ظواهر طبيعية جميلة، مثل الشمس المزدوجة، الشفق القطبي، تجمد الأغصان، وتجربة رش الماء المغلي!
(بالنسبة للصيف في الكويت فالجائزة يوم القيامة بإذن الله)
الصورة ↑ لمصور محترف، للشفق الذي شاهدته
الصورة ↑ من غوغل
تجربة رش الماء المغلي في جو -24 مئوية
استعمل هذا الرابط إذا لم يعمل الفيديو:
https://instagram.com/p/ioVi4QITW6/